منتدى كلية التربية الثانية في حماة
** أهلا وسهلا بالزوار الكرام **

أعزائي الطلبة الزائرين للمنتدى نرجوا منكم التسجيل والمشاركة في المنتدى000

مع تحيات إدارة منتدى كلية التربية الثانية بحماة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى كلية التربية الثانية في حماة
** أهلا وسهلا بالزوار الكرام **

أعزائي الطلبة الزائرين للمنتدى نرجوا منكم التسجيل والمشاركة في المنتدى000

مع تحيات إدارة منتدى كلية التربية الثانية بحماة
منتدى كلية التربية الثانية في حماة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» مستقبل العلاج النفسي
نزار قباني Emptyالسبت يوليو 13, 2013 5:52 pm من طرف نور

» رسالة ترحيب للطلاب الجدد
نزار قباني Emptyالإثنين أكتوبر 01, 2012 5:13 pm من طرف hiba

» جدول الدوام الاسبوعي
نزار قباني Emptyالجمعة أكتوبر 14, 2011 11:04 am من طرف abdoo

» ســــــــــؤال
نزار قباني Emptyالإثنين أكتوبر 03, 2011 1:37 pm من طرف وائلوف

» طلب عاجل وضروري ...الله يقضي حوائجكن حاولوا تقضوا حاجتي
نزار قباني Emptyالإثنين أكتوبر 03, 2011 12:00 pm من طرف وائلوف

» مرحببببااااا
نزار قباني Emptyالخميس سبتمبر 22, 2011 12:34 am من طرف max

» خطوات نحو النجاح الدراسي
نزار قباني Emptyالثلاثاء سبتمبر 20, 2011 4:58 pm من طرف فادي

» خطوات نحو النجاح الدراسي
نزار قباني Emptyالجمعة سبتمبر 02, 2011 8:54 pm من طرف SEBA

» أثر التلفزيون على المنهج
نزار قباني Emptyالجمعة سبتمبر 02, 2011 8:46 pm من طرف SEBA

الحدث في صورة

 

https://i.servimg.com/u/f66/14/66/92/86/th/photo_10.jpg

 

شجرة من العالم على شكل رأس إنسان

 

مكتبة الصور


نزار قباني Empty

نزار قباني

اذهب الى الأسفل

نزار قباني Empty نزار قباني

مُساهمة  فادي الأحد يناير 31, 2010 9:57 pm

القصيدة الدمشقية












القصيدة الدمشقية
وقصائد أخرى



نزار قباني



سلسلة الكتاب الشهري (كتاب الجيب) رقم (22)












 القصيدة الدمشقية وقصائد أخرى
 اختيار: فادية غيبور
 سلسلة الكتاب الشهري (كتاب الجيب) رقم(22).
 اتحاد الكتاب العرب
 أيلول 2008







القصيدة الدمشقية
وقصائد أخرى




اختيار: فادية غيبور



سلسلة الكتاب الشهري ( كتاب الجيب) رقم (22)
أيلول 2008










البريد الإلكتروني: unecriv@net.sy E-mail
aru@net.sy
موقع اتحاد الكتّاب العرب على شبكة الإنترنت
www.awu-dam.org


إخراج: سنديا عثمان





نزار قباني وارتعاش الروح





د. حسين جمعة


نزار قباني شاعر عربي ذو نكهة خاصة، وناثر ذو أفكار متميزة ودقيقة؛ ودبلوماسي من نمط رفيع… سارت الألسنة بذكره، وأشرقت الأوراق بوهج أنوار التعبير عنه، وارتعشت الأرواح بصوره الشعرية المبتكرة والجريئة، ولهجت المنابر بأصوات النقاد والباحثين في آثاره التي ثار حولها جدل عظيم، ولكنها أغنت المكتبة العربية… إذ ندر أن ماثله أديب عربي وكأنه غدا متنبي العصر، فقد (ملأ الدنيا وشغل الناس)، منذ أربعينيات القرن العشرين حتى وفاته بذبحة قلبية في لندن في (30/4/1998م) ونقل جثمانه إلى دمشق، فشيعته بجنازة رسمية وشعبية مهيبة وعظيمة. فإذا كان الموت أمراً عادياً للناس فإن موت المبدعين ـ وبهذه الطريقة القاسية ـ يعدّ فاجعة كبرى...
لهذا كله لقي نزار حفاوة كبرى من النقاد والشعراء باعتباره واحداً من الثائرين على التقاليد الاجتماعية والفنية، ومؤسساً لأنماط شعرية متميزة في جيل كان يتسابق إلى الريادة، والكفّ عن التقليد الفاجع في التجارب الشعرية. ولعل احتفالية وزارة الثقافة في سورية به في الفترة (3-9/8/2008م) بعنوان (تحية إلى نزار) بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاته تعد واحدة من تلك الاحتفاليات التي عُنيت به.
وُلد نزار بحيّ (مئذنة الشحم بدمشق) في (21/3/1923م) وهو ثاني خمسة إخوة (أربعة ذكور وأنثى) (رشيد ومعتز وصباح، وهيفاء)( ). وماتت أمه مبكراً بعد أن تعلق بها؛ حتى صارت تشكل له الدنيا كلها، علماً أنه الطفل المدلل لديها( ).
وكان والده توفيق قباني آقبيق متوسط الحال "لم يكن غنياً ولم يجمع ثروة، وكل مدخوله من" صناعة الحلوى، وبيعها، ويساعده بذلك الفتى نزار...( ).
وعلى الرغم من انتماء نزار إلى عائلة (آقبيق) التركية الأصل التي قَدِمَت إلى دمشق واستقرت بها، فقد ظهر نبوغه الشعري وهو في السادسة عشرة إذ ورث الحساسية الفنية والأدبية من قريبه المؤلف المسرحي والشاعر الملحن (أبو خليل القباني) على حين كان يستوعب إرشادات أستاذه الشاعر خليل مردم بك وهو يدرس الثانوية العامة في الكلية العلمية الوطنية بدمشق والتي حاز الثانوية منها ثم دخل الجامعة السورية (كلية الحقوق) وتخرّج فيها سنة (1945م)( )... وفي هذه المرحلة أصدر ديوانه الأول سنة (1944م) بعنوان (قالت لي السمراء)( )، ثم أصدر بعد ذلك ما يربي على (40) مجموعة شعرية، فضلاً عن نثره؛ وكله جُمع في الأعمال الكاملة التي طبعتها (منشورات نزار قباني) في بيروت ـ ط2.
تزوج مرتين؛ الأولى من ابنة عمه (زهراء) وأنجبت له ولدين (هدباء وتوفيق)، أما توفيق فقد مات بمرض القلب وعمره نحو (24) سنة دون أن تقدر مشافي لندن على إنقاذه، فحزن عليه حزناً شديداً، ورثاه بقصيدة عنوانها (الأمير الدمشقي توفيق قباني). ولمّا طلَّق (زهراء) تزوج (بلقيس الراوي) العراقية وأنجب منها ـ أيضاً ـ ولدين (عمر وزينب)، بيد أن بلقيس قتلت في انفجار وقع للسفارة العراقية ببيروت في (15/12/1981م) فبكاها بكاءً مرّاً، ورثاها بقصيدة حملت اسمها، وسارت بها الألسن لما فيها من صدق التوجع والحسرة ولاسيما حين حمّل الوطن العربي مقتلها. ومن ثم عزف عن الزواج بعدها، وراح يراقب حالة الحزن والوحشة والانكسار التي يمرّ بها الوطن العربي فيجري إلى خندق الشعر ليصوغ منه تجربته في الحياة وفي الفن كعادته. فقصيدته في بلقيس لا تكتفي بالحديث عن الأمكنة التي تملأ كيانه، والتي التقى في فضاءاتها زوجته الراحلة، ولكنه يصوغ فيها سيرة مضمّخة بالأسى والحزن وهو يناجي بلقيس ويردد اسمها معبراً عن زمن الضَّعف العربي، فضلاً عمّا ترمز إليه من تجرع الهمّ والأسى المتزايدين من الواقع البائس، إنه يتوكأ على صور شعرية مضمّخة بالألم النفسي المكثف للإيحاء بالقهر والعجز، والمعبر عن سخرية مرة من كل ما يراه، ومما قاله( ):
بلقيس...
إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عَرَبٌ...
ويأكل لحمنا عرب...
ويبقر بطننا عرب...
فكيف نفرّ من هذا القضاء؟
فالخنجر العربي... ليس يقيم فرقاً...
بين أعناق الرجال...
وبين أعماق النساء...
.....
الحزن يا بلقيس
يعصر مهجتي كالبرتقالة
الآن أعرف مأزق الكلمات
أعرف ورطة اللغة المحالة...
وأنا الذي اخترعَ الرسائل
لست أدري... كيف أبتدئ الرساله( )
عمل نزار قباني في الحقل الدبلوماسي إثر تخرجه في كلية الحقوق (1945م) حتى قدَّم استقالته منه عام (1966م) وتنقل في بلدان عدّة دبلوماسياً وسفيراً مثل (القاهرة وبيروت ومدريد وبكين ولندن وأنقرة...). ولندن كانت آخر محطة له في حياته إذ عاش فيها سنواته الخمس عشرة الأخيرة، على الرغم من أنه كان يرحل إلى باريس وجنيف وغيرهما. وكان يتقن عدداً من اللغات منها الإنكليزية والإسبانية.
وقد أشعل نزار خلال (50) سنة معارك اجتماعية ودينية وسياسية وأدبية تركزت في الحب والثورة والسياسة، إذ ثار على عادات مجتمعه وتقاليده؛ وهي العادات التي أدّت إلى انتحار أخته هيفاء حين أجبرت على الزواج من رجل لا تحبه... وقد أغضبت قصيدته (خبز وحشيش وقمر) رجال الدين في سورية وطالبوا بشنقه وطرده من السلك الدبلوماسي( ). وعُدَّ أول شاعر تناقش قصائده في البرلمان السوري. علماً أن قصيدته تلك ليست أكثر من نقد لاذع لما يعاني منه الوطن في مجالات شتى ومنهاSad )
ما الذي يفعله فينا القمر؟
فنُضيعُ الكبرياء
ونعيش لنستجدي السماء
ما الذي عند السماء؟
لكسالى ضعفاء
يستحيلون إلى موتى إذا عاش القمر
ويهزّون قبور الأولياء
علّها ترزقهم رزّاً... وأطفالاً...
أما قصيدته (هوامش على دفتر النكسة) فقد أجّجت نار الثورة في نفسه وغيَّرت مسار أدبه، فتحوّل به من الغزل الخالص إلى القصيدة السياسية التي تتركز حول السخرية من الذل والمهانة التي أحدثتها النكسة في الأمة العربية، إذ كسرت النفس العربية، حتى عجزت الأيام عن إصلاحها. فحزيران (كان ثمرة شديدة المرارة، بعضنا أكلها...، وبعضنا اعتاد تدريجياً على مذاقها... وبعضنا تقيأها فوراً...) وكان نزار من الذين أضربوا عن الطعام ورفض (الاعتراف بالجنين المشوّه الذي طرحه رحم حزيران)( ).
وفي ضوء ذلك تعدّ قصيدة (هوامش على دفتر النكسة) فاتحة لما يسمى بالأدب الحزيراني (نسبة إلى حزيران النكسة) لأنها نشرت بعد الخامس من حزيران بأيام، وقد سبقت قصيدة أمل دنقل (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)... والأدب الحزيراني شاع في الشعر ابتداءً ثمّ انتقل إلى بقية الأجناس الأدبية. وهو القائل فيها( ):
يا وطني الحزين
حولتني بلحظة
من شاعر يكتب شعر الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين
.....
لأن ما نُحسُِّه
أكبر من أوراقنا...
لابدّ أن نخجل من أشعارنا
.....
إذا خسرنا الحرب، لا غرابهْ
لأننا ندخلها
بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابهْ
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها
بمنطق الطبلة والرَّبابَهْ
لذلك كلّه صدر قرار بمنع أشعاره المغناة في التلفاز والإذاعة... ولست الآن بصدد التوسع في ذلك إذ صار له أعداء كثيرون. فتجربته الحياتية والأدبية أرست كثيراً من الأبعاد والاتجاهات الأدبية والفكرية لا نجده عند شاعر آخر وحين كان يثير جدلاً عريضاً في أوساط المجتمع عامة والمثقفين خاصة فقد تركز هذا الصراع والجدل في السنوات الأخيرة حول قصائده السياسية التي كتبها من لندن بعد هزيمة (1967م) ولاسيما قصائده ( متى يعلنون وفاة العرب ـ والمهرولون ـ وبيان ضد كل شيء) ـ وغيرها( )... ومن ثم فلا غرو أن نجد الفنانين العرب يقبلون على أشعاره يغنونها، مثل أم كلثوم التي غنت له (أصبح عندي الآن بندقية ـ ورسالة عاجلة) وفيروز التي غنّت (وشاية ـ ولا تسألوني ما اسمه حبيبي) وعبد الحليم حافظ الذي غنّى (رسالة من تحت الماء ـ وقارئة الفنجان). وكذلك غنت بعض قصائده (نجاة الصغيرة وفايزة أحمد) وأخيراً (ماجدة الرومي وكاظم الساهر) وآخرون...
وإذا كان نزار قد كتب شيئاً غير قليل من سيرته في كتابه (قصتي مع الشعر)( ) الذي يعدُّ نمطاً من السيرة الذاتية فإنه ما فتئ يصدح بعشقه لشام الدنيا "دمشق" التي أحبها حتى النخاع. فهي المحبوبة الفاتنة الساحرة التي خطفت قلبه وتغلغلت في حشاشته، وسيطرت على لبّه وفؤاده، فراح يغنّي لها أجمل القصائد ويصف ياسمينها وأزهارها وحاراتها وبيوتها وأزقتها، وهو الطفل الذي ولدَ في بيت واسع، من بيوتها الذي تنساب فيه جداول الماء، ويزدان بأشجار النارنج والياسمين فيرتد من خلال دمشق إلى طفولته حتى صارت طفولته مفتاحاً إلى شخصيته وأدبه (وكل محاولة لفهمي خارج دائرة الطفولة هي محاولة فاشلة) كما قال( ). فدمشق والطفولة طقسان للإبداع الشعري، واحتفاء بسلطان الزمان والمكان، وفي إطارهما يجود قصائده من أجل الإفصاح عن الغرض الجوهري وهو القائلSad ).

ألا حظْتِ... كم تشبهين دمشق الجميلهْ؟
وكم تشبهين المآذن والجامع الأموي.. ورقص السماح
وخاتم أمي...
وساحة مدرستي...
وجنونَ الطفوله
ولعل أي مستوى لتلقي شعره لا يعطي دمشق وما يحيط بها من أماكن وأنهار وأزهار العناية المناسبة سيظل بعيداً عن التحولات الفنية في القراءة الصحيحة... لهذا كان الشعر لديه سفراً إلى الماضي، إلى دمشق كلّما غابت عنه... كان مدمناً على حبّها، وحبّ كل الأنحاء التي تحيط بها،، (والذاكرة بكل أنواعها هي نوع من الارتباط بالماضي والعودة إليه)( ).
كان يتغنّى بالأمكنة، وكأنها تمثل له جوهر الحقائق والأشياء، فيطوف في كل مكان معلناً عن تقديسه له، وشغفه بملامحه وكأنه أغلى حبيب... وما يني يردّد ذكره حلاوة وتلذذاً حتى يُشعرنا بمدى الاغتراب النفسي الذي يكوي قلبه ويؤرّق فؤاده، فضلاً عن الاغتراب المكاني إذ كان بعيداً في ديار الغربة...
فنزار عاشق لدمشق الوطن والمولد، حتى صار عشقه لها أعظم من عشقه للمرأة التي تغنّى بأوصافها، وذاق لذاذة صورها الشعرية حتى الثمالة... ولهذا تغنّى بدمشق في قصائد عدّة منها (من مفكرة عاشق دمشقي ـ ترصيع بالذهب على سيف دمشقي ـ ومواويل دمشقية ـ والوضوء بماء العشق والياسمين ـ والقصيدة الدمشقية)( ) ومما قاله في قصيدة (موال دمشقي)( ):

لقد كتبنا... وأرسلنا المراسيلا

وقد بكينا... وبلّلنا المناديلا

قل للذين بأرض الشام قد نزلوا

قتيلكم لم يزل بالعشق مقتولا

يا شامُ، يا شامة الدنيا ووردتها

يا من بحسنك أوجعت الأزاميلا

وددت لو زرعوني فيك مئذنة

أو علقوني على الأبواب قنديلا

يا بلدة السبعة الأنهار يا بلدي

ويا قميصاً بزهر الخوخ مشغولا

هواك يا بردى كالسيف يسكنني

وما ملكت لأمر الحب تبديلا

أيامَ في دُمّر كنا... وكان فمي

على ضفائرها حفراً وتنزيلا

يا شام، إن كنت أخفي ما أكابده

فأجمل الحب حب ـ بعدُ ـ ما قيلا

فدمشق ـ عنده ـ تكتنه الوطن كله ولهذا لا يضير الباحث أن يصفه بأنه غدا شاعراً وطنياً بمثل ما أضحى شاعراً قومياً حين كان يتخذ اللغة الساحرة من حال أمته وقد هانت أمام شذاذ الآفاق فطفق ينفخ في أبنائها روح التحدّي والنضال والتحرّر والتقدم والوحدة، ولا شيء أدلّ عليه من قصيدته (حزب الحزن) ومنها قوله( ):

إذا كان الوطن منفياً مثلي...
ويفكر بشراشف أمه البيضاء مثلي...
وبقطة البيت السوداء، مثلي...
إذا كان الوطن ممنوعاً من ارتكاب الكتاب مثلي...
وارتكاب الثقافة مثلي...
فلماذا لا يدخل إلى المصلحة التي نحن فيها؟!
لماذا لا يكون عضواً في حزب الحزن
الذي يضمّ مئة مليون عربي؟؟!!
لهذا كان يحسّ بألم الاغتراب عن وطنه لأنه يعيش في داخله وفق ما قرّره في قصيدته (وطن بالإيجار) ومنها( ):
يا سيدتي:
إن النملة تملك وطناً
إن الدودة تملك وطناً
إن الضفدع يملك وطناً
.....
وأنا ما ملَّكني أحد وطناً
ولذا أسكن يا سيدتي
وطناً بالإيجار
لذلك كلّه تعدّ الكتابة حول نزار قباني وأدبه من أصعب أنواع الكتابة، وبخاصة أنه كتب نثره بأشكال أشبه أن تكون أشكالاً شعرية؛ وهو ينساب رقة وعذوبة وإشراقاً كما تنساب القصيدة الرائعة... فاللغة لديه لغة مسكونة بالشعرية والشفافية والأخيلة المبتكرة، والانفعال الصادق سواء كانت شعراً أم نثراً، علماً أنها لم تكن لتتخلّى عن التراث صوراً ومعاني وتوظيفاً... فهو يلتفت إلى التجربة الشعرية من خلال التوظيف الشعري للقصيدة العربية سواء كانت قديمة أم حديثة، وإن صمّم على تحرير قصيدته من الأنماط القديمة المعروفة... وتحدي المسكوت عنه أو الممنوع حياة وفناً...
وإذا كان نزار قد بدأ شاعراً على المنهج التقليدي العمودي، وراح يجرب شعر التفعيلة فإنه ظل يجرّب في الأشكال الأدبية التي أنتجت لديه في ثمانينيات القرن العشرين حالة أدبية نثرية ثم نقدية أثارت عواصف قوية... ولاسيما حين لجأ إلى قصيدة النثر في مجموعته (كل عام وأنت حبيبتي) عام 1978م)( ). وبهذا كان يشكل الحداثة الشعرية بأشكالها النظرية ومرجعياتها العديدة شرقية وغربية، دون أن يقع في مطب الانفصال عن التراث وقيمه إذا توافقت مع تطلعاته ومعاييره... ومن ذلك قوله في قصيدة (قرص الأسبرين)( ):
يا وطني:
يا أيها الضائع في الزمان والمكان
والباحث في منزل العُرْبان...
عن سقف وعن سرير
فالوطن المِنْ أجله مات صلاح الدين
يأكله الجائع في سهولة...
كعلبة السردين...
والوطن المِنْ أجله قد غنَّت الخيول في حطين
يبلعه الإنسان في سهولة...
كقرص أسبرين!!!.
فالشاعر العربي الكبير كان يكتشف مرارة الألم العربي ويصوغ مشاعره بجمالية شفافة رقيقة ومؤثرة دون محاباة أو مداورة... فحين غنَّى للوطن بهذه التعبيرات الواضحة كان يصر على إدانة النظام العربي الرسمي الذي أوصل الوطن العربي إلى حالة أقرب إلى الضياع. ولهذا كان يغوص في التراث العربي الزاهر ليُدين الحاضر البائس، فجلب منه معارك صلاح في حطين...
فشعوره يتراوح بين نمطين مضادين من العواطف: الحبّ والسخط، فهو يحب وطنه حباً جنونياً لكنه يكره كرهاً عظيما ما آلت إليه أوضاعه...
لم يكن نزار قباني شاعراً عادياً بل كان شاعراً يمارس مفهوم الشعر إلى حدّ الوجع، (والكتابة ـ [عنده] ـ هي أعلى درجات التورّط)( ).
لذلك كلّه كان عليناً أن نقدم هذه الاختيارات بين يدي القارئ في الذكرى العاشرة لوفاته وبمناسبة الاحتفال بدمشق عاصمة للثقافة العربية لعام (2008م)... راجين أن تكون بألوانها الفنية عوناً للقارئ العربي...









القصيدة الدمشقية


هذي دمشق.. وهذي الكأس والراحُ

إني أحبّ... وبعـض الحـب ذبّاحُ

أنا الدمشقي.. لو شرحتم جسدي

لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح

و لو فتحـتمُ شراييني بمديتكـم

سمعتمُ في دمي أصوات من راحوا


زراعة القلب.. تشفي بعض من عشقوا

وما لقلـبي –إذا أحببـت- جـرّاحُ

مآذن الشـام تبكـي إذ تعانقـني

و للمـآذن.. كالأشجار.. أرواح

للياسمـين حقـوقٌ في منازلنـا..

وقطة البيت تغفو حيث ترتـاح

طاحونة البنّ جزءٌ من طفولتنـا

فكيف أنسى؟ وعطر الهيل فوّاح

هذا مكان "أبي المعتز".. منتظرٌ

ووجه "فائزةٍ" حلوٌ و لمّـاح

هنا جذوري.. هنا قلبي... هنا لغـتي

فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟

كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاورها

حتى أغازلها... والشعـر مفتـاحُ

أتيت يا شجر الصفصاف معتذراً

فهل تسامح هيفاءٌ ..ووضـاح؟

خمسون عاماً.. وأجزائي مبعثرةٌ

فوق المحيط.. وما في الأفق مصباح

تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـاف لها..

وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاح

أقاتل القبح في شعري وفي أدبي

حتى يفتّـح نوارٌ... وقـداح

ما للعروبـة تبدو مثل أرملةٍ؟

أليس في كتب التاريخ أفراح؟

والشعر.. ماذا سيبقى من أصالته؟

إذا تولاه نصّـابٌ ... ومـدّاحُ؟

وكيف نكتب والأقفال في فمنا؟

وكل ثانيـةٍ يأتيـك سـفّاح؟

حملت شعري على ظهري فأتعبني

ماذا من الشعر يبقى حين يرتاح؟







ترصيع بالذهب
على سيف دمشقي


أتراها تحبني ميسـونُ..؟

أَمْ توهمت والنساء ظنونُ

كم رسول أرسلته لأبيها

ذبحته تحت النقاب العيونُ

يا بنـة العمّ... والهوى أمويٌ

كيف أخفي الهوى وكيف أبينُ


كم قُتلنا في عشقنا وبعثنا

بعد موت وما علينا يمينُ

ما وقوفي في الديار وقلبي

كجبيني قد طرزته الغصونُ

لا ظباء الحمى رَدَدْنَ سلامي

والخلاخيلُ ما لهنَّ رنينُ

هل مرايا دمشق تعرف وجهي

من جديد أم غيرتني السنيـنُ؟

يا زماناً في الصالحية سـمحاً

أين مني الغوى وأين الفتونُ؟

يا سريري.. ويا شراشف أمي

يا عصافير.. يا شذا، يا غصونُ


يا زورايب حارتي.. خبّئيني

بين جفنيك فالزمان ضنينُ

واعذريني إن بدوت حزيناً

إن وجه المحبّ وجه حزينُ

ها هي الشام بعد فرقة دهر

أنهر سبعـة ..وحـور عينُ

النوافير في البيوت كلامٌ

والعناقيد سكر مطحونُ

والسماءُ الزرقاءُ دفتر شعر

والحروف التي عليه .. سنونو ..

هل دمشق كما يقولونَ كانَتْ

حين في الليل فكّر الياسمينُ ؟


آه يا شام.. كيف أشرح ما بي

وأنا فيـك دائمـاً مسكونُ

سامحيني إن لم أكاشفك بالعشق

فأحلى ما في الهوى التضمينُ

نحن أسرى معاً وفي قفص الحب

يعاني السجانُ والمسجونُ

يا دمشقُ التي تقمصتُ فيها

هل أنا السروُ .. أم أنا الشربينُ ؟

أم أنا الفلُّ قي أباريق أمّي

أم أنا العشبُ والسحابُ الهَتونُ

يا دمشق التي تفشّى شذاها

تحت جلدي كأنه الزيزفونُ


سامحيني إذا اضطربت فإني

لا مقفّىً حبي ولا موزونُ

وازرعيني تحت الضفائر مشطاً

فأُريك الغرام كيفَ يكونُ

قادم من مدائن الريح وحـدي

فاحتضنّي ،كالطفل، يا قاسيونُ

احتَضنّي .. ولا تناقش جنوني

ذروة العقل يا حبيبي الجنونُ

أهي مجنونة بشوقي إليها
...
هذه الشام، أم أنا المجنونُ؟

إن تخلّت كلّ المقادير عني

فبعيـني حبيبتي أستعيـنُ


جاء تشرين يا حبيبة عمري

أحسن وقت للهوى تشرينُ

ولنا موعد على جبل الشيخ

كمِ الثلج دافئ.. وحنـونُ

سنوات سبع من الحزن مرَّت

مات فيها الصفصاف والزيتونُ

شام.. يا شام.. يا أميرة حبي

كيف ينسى غرامـه المجنونُ؟

شمس غرناطة أطلَّت علينا

بعد يأس وزغردت ميسلونُ

جاء تشرين.. إن وجهك أحلى

بكثير... ما سـرُّهُ تشـرينُ ؟


إن أرض الجولان تشبه عينيك

فماءٌ يجري.. ولـوز.. وتيـنُ

مزِّقي يا دمشق خارطة الذل

وقولي للـدهر كن فيـكونُ

استردَّتْ أيامها بك بدرٌ

واستعادت شبابها حطينُ

كتب الله أن تكوني دمشقاً

بك يبدا وينتهي التكويـنُ

هُزِم الروم بعد سبع عجافٍ

وتعافى وجداننا المـطعـونُ

وقتلنا العنقاءَ في ( جَبَل الشيخ )

وألقى أضراسَهُ التنّينُ


صدق السيفُ حاكماً وحكيماً

وحدَه السيفُ يا دمشقُ اليقينُ

اسحبي الذيل يا قنيطرة المجد

وكحل جفنيك يـا حرمونُ

سبَقتْ ظلَّها خيولُ هشام

وأفاقت من نومها السكينُ

علمينا فِقْهَ العروبـة يا شام

فأنت البيـان والتبيـيـنُ

علمينا الأفعالَ قد ذَبَحَتْنا

أحرفُ الجرّ والكلام العجينُ

علمينا قراءة البرق والرعد

فنصفُ اللغات وحلٌ وطينُ


وطني، يا قصيدة النار والورد

تغنـت بما صنعت القـرونُ

إن نهرَ التاريخ ينبع في الشام

أَيُلغي التريخَ طرحٌ هجينُ ؟

نحنُ عكا ونحنُ كرمل حيفا

وجبال الجليل .. واللطرونُ

كل ليمونة ستنجب طفلاً

ومحالٌ أن ينتهي الليمونُ

إركبي الشمس يا دمشق حصاناً

ولك الله ... حـافظ و أميـنُ







من مفكرة عاشق دمشقي



فرشت فوق ثراك الطاهـر الهدبا

فيا دمشـق... لماذا نبـدأ العتبـا؟

حبيبتي أنت... فاستلقي كأغنيـةٍ

على ذراعي، ولا تستوضحي السَّببا

أنت النساء جميعاً.. ما من امـرأةٍ

أحببت بعدك.. إلا خلتها كـذِبا

يا شام، إن جراحي لا ضفافَ لها

فمسّحي عن جبيني الحزن والتعبا

وأرجعيني إلى أسوار مدرسـتي

وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا

تلك الزواريب كم كنزٍ طمرت بها

وكم تركت عليها ذكريات صـبا

وكم رسمت على جدرانها صوراً

وكم كسرت على أدراجـها لعبا

أتيت من رحم الأحزان.. يا وطني

أُقبِّل الأرض والأبـواب والشـهبا

حبّي هـنا.. وحبيباتي ولدنَ هـنا

فمـن يعيـد ليَ العمر الذي ذهبا؟

أنا قبيلـة عشـاقٍ بكامـلـها

ومن دموعي سقيت البحر والسحبا

فكـل صفصافـةٍ حوَّلتها امـرأةً

و كـل مئذنـةٍ رصّـعتها ذهـبا

هـذي البساتين كانت بين أمتعتي

لما ارتحلـتُ عـن الفيحـاء مغتربا

فلا قميص من القمصـان ألبسـه

إلا وجـدت على خيطانـه عنبا

كـم مبحـرٍ.. وهموم البَّرِ تسكنه

وهاربٍ من قضاء الحب ما هـربا

يا شـام، أيـن هما عـينا معاويةٍ

وأيـن من زحموا بالمنكـب الشهبا

فلا خيـولُ بني حمدان راقصـةٌ

زهــواً... ولا المتنبي مالئٌ حـلبا

وقبـر خالد في حمصٍ نلامسه

فـيرجف القبـر من زواره غـضبا

يا رب حيّ.. رخام القبر مسكنـه

ورب ميتٍ.. على أقدامـه انتصـبا

يا بن الوليد.. ألا سيـفٌ تؤجره؟

فكل أسيافنا قد أصبحـت خشـبا

دمشق، يا كنز أحلامي ومروحتي

أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟

أدمـت سياط حزيران ظهورهم

فأدمنوها.. وباسوا كف من ضربا

وطالعوا كتب التاريخ.. واقتنعوا

متى البنادق كانت تسكن الكتبا؟

سقـوا فلسطـين أحلاماً ملونةً

وأطعموها سخيف القول والخطبا

وخلّفوا القدس فوق الوحل عاريةً

تبيح عـزة نهديها لمـن رغبـا..

هل من فلسطينَ مكتوبٌ يطمئنني

عمّن كتبت إليه.. وهو ما كتبا؟

وعن بساتين ليمونٍ، وعن حلمٍ

يزداد عني ابتعاداً.. كلما اقتربا

أيا فلسطين.. من يهديك زنبقةً؟

ومن يعيد لك البيت الذي خربا؟

شردتِ فوق رصيف الدمع باحثةً

عن الحنان، ولكن ما وجدتِ أبا

تلفـتي... تجدينا في مـباذِلِنا..

من يعبد الجنس، أو من يعبد الذهبا

فواحـدٌ أعمـت النعمى بصيرته

فراح يعطي الغواني كـل ما كسبا

وواحدٌ ببحـار النفـط مغتسـلٌ

قد ضاق بالخيش ثوباً فارتدى القصبا

وواحـدٌ نرجسـيٌ في سـريرته

وواحـدٌ من دم الأحرار قد شربا

إن كان من ذبحواالتاريخ هم نسبي

على العصور.. فإني أرفض النسبا

يا شام، يا شام مافي جعبتي طربٌ

أستغفر الشـعر أن يستجديَ الطّربا

ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي؟

حوافر الخيل داسـت عندنا الأدبا

وحاصرتنا.. وآذتنـا.. فلا قلـمٌ

قال الحقيقة إلا اغتيـل أو صـلبا

يا من يعاتب مذبوحـاً على دمـه

ونزف شريانه، ما أسهـل العـتبا

من جرب الكيَّ لا ينسـى مواجعه

ومن رأى السُمَّ لا يشقى كمن شربا

حبل الفجيعة ملتفٌ عـلى عنقي

من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطربا؟

الشعر ليـس حمامـاتٍ نـطيرها

نحو السماء، ولا ناياً.. وريح صَبا

لكنه غضـبٌ طـالت أظـافـرُه

ما أجبَن الشعرُ إن لم يركبِ الغضبا







خمس رسائل إلى أمي


صباح الخير يا حلوه..
صباح الخير يا قديستي الحلوه
مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
برحلته الخرافيه
وخبّأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر
وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسه
طرابيناً من النعناع والزعتر
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدي..
دخان سجائري يضجر
ومني مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..
تفتش ـ بعد ـ عن بيدر
عرفت نساء أوروبا..
عرفتُ عواطف الإسمنت والخشب
عرفت حضارة التعب..
وطفتُ الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر
ولم أعثر..
على امرأةٍ تمشط شعري الأشقر
وتحمل في حقيبتها..
إليّ عرائس السكر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشلني إذا أعثر
أيا أمي..
أيا أمي..
أنا الولد الذي أبحرْ
ولا زالت بخاطره
تعيش عروسة السكر
فكيف.. فكيف يا أمي
غدوت أباً..
ولم أكبر؟
صباح الخير من مدريدْ
ما أخبارها الفلة؟
بها أوصيك يا أماه..
تلك الطفلة الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..
يدللها كطفلته
ويدعوها إلى فنجان قهوته
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمته..
.. ومات أبي
ولا زالت تعيش بحلم عودته
وتبحث عنه في أرجاء غرفته
وتسأل عن عباءته..
وتسأل عن جريدته..
وتسأل ـ حين يأتي الصيف ـ
عن فيروز عينيه..
لتنثر فوق كفيه..
دنانيراً من الذهب..
سلاماتٌ..
سلاماتٌ..
إلى بيتٍ سقانا الحب والرحمة
إلى أزهارك البيضاء.. فرحة "ساحة النجمة"
إلى تختي..
إلى كتبي..
إلى أطفال حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنام على مشارقنا
وليلكةٍ معرِّشةٍ
على شباك جارتنا
مضى عامان.. يا أمي
ووجه دمشق،
عصفورٌ يخربش في جوانحنا
يعضّ على ستائرنا..
وينقرنا..
برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامان يا أمي
وليل دمشقَ
فلّ دمشق
دور دمشق
تسكن في خواطرنا
مآذنها.. تضيء على مراكبنا
كأنّ مآذن الأمويّ..
قد زرعت بداخلنا..
كأنّ مشاتل التفاح..
تعبَق في ضمائرنا
كأن الضوء، والأحجار
جاءت كلّها معنا..
أتى أيلول يا أماه..
وجاء الحزن يحمل لي هداياه
ويترك عند نافذتي
مدامعه وشكواه
أتى أيلول.. أين دمشق؟
أين أبي وعيناه
وأين حرير نظرته؟
وأين عبير قهوته؟
سقى الرحمن مثواه..
وأين رحابُ منزلنا الكبير..
وأين نعماه؟
وأين مدارج الشمشير..
تضحك في زواياه
وأين طفولتي فيه؟
أجرجر ذيل قطته
وآكل من عريشته
وأقطف من بنفشاه
دمشق، دمشق..
يا شعراً
على حدقات أعيننا كتبناه
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره صلبناه
جثونا عند ركبته..
وذبنا في محبته
إلى أن في محبتنا قتلناه...





قانا


ـ 1 ـ

وجه قانا شاحبُ اللون كما وجه يسوع.
و هواء البحر في نيسان,
أمطار دماء, و دموعْ…
ـ 2 ـ
دخلوا قانا على أجسادنا
يرفعون العلم النازيَّ في أرض الجنوب.
و يعيدون فصول المحرقة..
هتلرٌ أحرقهم في غرف الغاز
و جاؤوا بعده كي يحرقونا..
هتلر هجرهم من شرق أوروبا..
و هم من أرضنا قد هجرونا.
هتلر لم يجد الوقت لكي يمحقهم
و يريح الأرض منهم..
فأتوا من بعده ..كي يمحقونا!!.
ـ 3 ـ
دخلوا قانا..كأفواج ذئاب جائعة.
يشعلون النار في بيت المسيح.
و يدوسون على ثوب الحسين..
و على أرض الجنوب الغالية..
ـ 4 ـ
قصفوا الحنطة, و الزيتون, و التبغ,
و أصوات البلابل..
قصفوا قدموس في مركبه..
قصفوا البحر..و أسراب النوارس..
قصفوا حتى المشافي..و النساء المرضعات..
و تلاميذ المدارس.
قصفوا سحر الجنوبيات
و اغتالوا بساتين العيون العسلية!..
ـ 5ـ
….و رأينا الدمع في جفن عليّ.
و سمعنا صوته و هو يصلي
تحت أمطار سماء دامية..
ـ 6 ـ
كلّ من يكتب عن تاريخ (قانا)
سيسميها على أوراقه:
(كربلاء الثانية)!!.
ـ 7 ـ
كشفت قانا الستائر..
و رأينا أمريكا ترتدي معطف حاخامٍ يهودي عتيقْ..
و تقود المجزرة..
تطلق النار على أطفالنا دون سبب..
و على زوجاتنا دون سبب.
و على أشجارنا دون سبب.
و على أفكارنا دون سبب.
فهل الدستور في سيدة العالم..
بالعبريّ مكتوبٌ..لإذلال العرب؟؟
ـ 8 ـ
هل على كل رئيس حاكمٍ في أمريكا؟
إن أراد الفوزَ في حلم الرئاسة..
قتلُنا, نحن العربْ؟
ـ 9 ـ
انتظرنا عربياً واحداً.
يسحب الخنجر من رقبتنا..
انتظرنا هاشميا واحداً..
انتظرنا قرشياً واحداً..
دونكشوتاً واحداً..
قبضاياً واحداً لم يقطعوا شاربَهُ…
انتظرنا خالداً..أو طارقاً..أو عنترة..
فأكلنا ثرثرة و شربنا ثرثرة..
أرسلوا فاكساً إلينا..استلمنا نصّهُ
بعد تقديم التعازي و انتهاءِ المجزرة!!.
ـ 10 ـ
ما الذي تخشاه إسرائيل من صرخاتنا؟
ما الذي تخشاه من (فاكساتنا)؟
فجهاد الفاكس من أبسط أنواع الجهادْ..
فهو نص واحد نكتبهُ
لجميع الشهداء الراحلينْ.
و جميع الشهداء القادمينْ!!.
ـ 11 ـ
ما الذي تخشاه إسرائيل من ابن المقفع؟
و جرير ..و الفرذدق؟
و من الخنساء تلقي شعرها عند باب المقبرة..
ما الذي تخشاه من حرق الإطارات..
و توقيع البيانات..و تحطيم المتاجرْ..
و هي تدري أننا لم نكن يوماً ملوك الحرب..
بل كنا ملوك الثرثرة…

ـ 12 ـ
ما الذي تخشاه من قرقعة الطبلِ..
و من شقّ الملاءات..و من لطم الخدود؟
ما الذي تخشاه من أخبار عاد و ثمودْ؟؟
ـ 13 ـ
نحن في غيبوبة قومية
ما استلمنا منذ أيام الفتوحات بريدا…
ـ 14 ـ
نحن شعب من عجين.
كلما تزداد إسرائيل إرهاباً و قتلا..
نحن نزداد ارتخاءً ..و برودا..
ـ 15 ـ
وطن يزداد ضيقاً.
لغة قطرية تزداد قبحاً.
وحدة خضراء تزداد انفصالاً.
و حدود كلما شاء الهوى تمحو حدودا!!
ـ 16 ـ
كيف إسرائيل لا تذبحنا ؟
كيف لا تلغي هشاما, و زياداً, و الرشيدا؟
و بنو تغلبَ مشغولون في نسوانهم..
و بنو مازن مشغولون في غلمانهم..
و بنو هاشم يرمون السراويل على أقدامها..
و يبيحون شفاهاً ..و نهودا!!.
ـ 17 ـ
ما الذي تخشاه إسرائيل من بعض العرب
بعد ما صاروا يهودا؟!…








القدس


بكيتُ.. حتى انتهت الدموعْ
صليت.. حتى ذابت الشموعْ
ركعت.. حتى ملني الركوع
سألت عن محمدٍ، فيك وعن يسوعْ
يا قدسُ، يا مدينة تفوح أنبياءْ
يا أقصر الدروب بين الأرض والسماءْ
يا قدس، يا منارة الشرائعْ
يا طفلةً جميلةً محروقة الأصابعْ
حزينةٌ عيناك، يا مدينة البتولْ
يا واحةً ظليلةً مرَّ بها الرسول ْ
حزينةٌ حجارة الشوارعْ
حزينةٌ مآذن الجوامعْ
يا قدس، يا جميلةً تلتف بالسوادْ
من يقرع الأجراسَ في كنيسة القيامة؟
صبيحةَ الآحادْ..
من يحمل الألعاب للأولادْ؟
في ليلةِ الميلادْ..
يا قدس، يا مدينة الأحزانْ
يا دمعةً كبيرةً تجول في الأجفانْ
من يوقف العدوانْ؟
عليك، يا لؤلؤة الأديانْ
من يغسل الدماء عن حجارة الجدرانْ؟
من ينقذ الإنجيلْ؟
من ينقذ القرآنْ؟
من ينقذ المسيحُ ممن قتلوا المسيحْ؟
من ينقذ الإنسانْ؟
يا قدسُ.. يا مدينتي
يا قدس.. يا حبيبتي
غداً.. غداً.. سيزهر الليمونْ
وتفرح السنابل الخضراء والزيتون
وتضحك العيون..
وترجع الحمائم المهاجرة..
إلى السقوف الطاهره
ويرجع الأطفال يلعبونْ
ويلتقي الآباء والبنون
على رباك الزاهرة..
يا بلدي..
يا بلد السلام والزيتونْ






أطفــال الحجــارة


بهروا الدنيا..
وما في يدهم إلا الحجاره..
وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشاره
قاوموا.. وانفجروا.. واستشهدوا..
وبقينا دبباً قطبيةً
صفِّحت أجسادها ضد الحراره..
قاتلوا عنا إلى أن قتلوا..
وجلسنا في مقاهينا.. كبصّاق المحارة
واحدٌ يبحث منا عن تجارة..
واحدٌ.. يطلب ملياراً جديداً..
وزواجاً رابعاً..
ونهوداً صقلتهن الحضارة..
واحدٌ.. يبحث في لندن عن قصرٍ منيفٍ
واحدٌ.. يعمل سمسار سلاح..
واحدٌ.. يطلب في البارات ثاره..
واحدٌ.. بيحث عن عرشٍ وجيشٍ وإمارة..
آه.. يا جيل الخياناتِ..
ويا جيل العمولاتِ..
ويا جيل النفاياتِ
ويا جيل الدعارةْ..
سوف يجتاحك –مهما أبطأ التاريخ-
أطفال الحجاره..






منشورَاتٌ فِدَائيّة
على جُدْرَانِ إسْرائيل


لن تجعلوا من شعبنا
شعب هنودٍ حمر..
**
فنحن باقون هنا..
في هذه الأرض التي تلبس في معصمها
إسوارةً من زهرْ
فهذه بلادنا..
فيها وجدنا منذ فجر العمر
فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشعر
مشرشون نحن في خلجانها
مثل حشيش البحر..
مشرشون نحن في تاريخها
في خبزها المرقوق، في زيتونها
في قمحها المصفر
مشرشون نحن في وجدانها
باقون في آذارها
باقون في نيسانها
باقون كالحفر على صلبانها
باقون في نبيها الكريم، في قرآنها..
وفي الوصايا العشرْ..
2
لا تسكروا بالنصر…
إذا قتلتم خالداً.. فسوف يأتي عمرو
وإن سحقتم وردةً..
فسوف يبقى العطر
3
لأن موسى قطعت يداه..
ولم يعد يتقن فن السحر..
لأن موسى كسرت عصاه
ولم يعد بوسعه شق مياه البحر
لأنكم لستم كأمريكا.. ولسنا كالهنود الحمر
فسوف تهلكون عن آخركم
فوق صحاري مصر…
4
المسجد الأقصى شهيدٌ جديد
نضيفه إلى الحساب العتيق
وليست النار، وليس الحريق
سوى قناديلٍ تضيء الطريق
5
من قصب الغابات
نخرج كالجنّ لكم.. من قصب الغاباتْ
من رزم البريد، من مقاعد الباصات
من علب الدخان، من صفائح البنزين، من شواهد الأموات
من الطباشير، من الألواح، من ضفائر البناتْ
من خشب الصلبان، ومن أوعية البخور، من أغطية الصلاة
من ورق المصحف نأتيكم
من السطور والآياتْ…
فنحن مبثوثون في الريح، وفي الماء، وفي النبات
ونحن معجونون بالألوان والأصوات..
لن تفلتوا.. لن تفلتوا..
فكل بيتٍ فيه بندقيه
من ضفة النيل إلى الفراتْ
6
لن تستريحوا معنا..
كل قتيلٍ عندنا
يموت آلافاً من المرات…
7
انتبهوا.. انتبهوا…
أعمدة النور لها أظافر
وللشبابيك عيونٌ عشر
والموت في انتظاركم في كل وجهٍ عابرٍ…
أو لفتةٍ.. أو خصر
الموت مخبوءٌ لكم.. في مشط كل امرأةٍ..
وخصلةٍ من شعر..
8
يا آل إسرائيل.. لا يأخذكم الغرورْ
عقارب الساعات إن توقفت، لا بد أن تدور..
إن اغتصاب الأرض لا يخيفنا
فالريش قد يسقط عن أجنحة النسور
والعطش الطويل لا يخيفنا
فالماء يبقى دائماً في باطن الصخور
هزمتم الجيوش.. إلا أنكم لم تهزموا الشعور
قطعتم الأشجار من رؤوسها.. وظلت الجذور
9
ننصحكم أن تقرؤوا ما جاء في الزبور
ننصحكم أن تحملوا توراتكم
وتتبعوا نبيكم للطور..
فما لكم خبزٌ هنا.. ولا لكم حضور
من باب كل جامعٍ..
من خلف كل منبرٍ مكسور
سيخرج الحجاج ذات ليلةٍ.. ويخرج المنصور
10
إنتظرونا دائماً..
في كل ما لا ينتظرْ
فنحن في كل المطارات، وفي كل بطاقات السفر
نطلع في روما، وفي زوريخ، من تحت الحجر
نطلع من خلف التماثيل وأحواض الزهر..
رجالنا يأتون دون موعدٍ
في غضب الرعد، وزخّات المطر
يأتون في عباءة الرسول، أو سيف عمر..
نساؤنا.. يرسمن أحزان فلسطين على دمع الشجر
يقبرن أطفال فلسطين، بوجدان البشر
يحملن أحجار فلسطين إلى أرض القمرْ..
11
لقد سرقتم وطناً..
فصفَّق العالم للمغامره
صادرتمُ الألوفَ من بيوتنا
وبعتم الألوف من أطفالنا
فصفّق العالم للسماسره..
سرقتم الزيت من الكنائس
سرقتم المسيح من بيته في الناصره
فصفق العالم للمغامره
وتنصبون مأتماً..
إذا خطفنا طائره
12
تذكروا.. تذكروا دائماً
بأن أمريكا – على شأنها –
ليست هي الله العزيز القدير
وأن أمريكا – على بأسها –
لن تمنع الطيور أن تطير
قد تقتل الكبير.. بارودةٌ
صغيرةٌ.. في يد طفلٍ صغير
13
ما بيننا.. وبينكم.. لا ينتهي بعام
لا ينتهي بخمسةٍ.. أو عشرةٍ.. ولا بألف عام
طويلةٌ معارك التحرير كالصيام
ونحن باقون على صدوركم..
كالنقش في الرخام..
باقون في صوت المزاريب.. وفي أجنحة الحمامْ
باقون في ذاكرة الشمس، وفي دفاتر الأيام
باقون في شيطنة الأولاد.. في خربشة الأقلام
باقون في الخرائط الملونه
باقون في شعر امرئ القيس..
وفي شعر أبي تمام..
باقون في شفاه من نحبهم
باقون في مخارج الكلام..


14
موعدنا حين يجيء المغيب
موعدنا القادم في تل أبيب
"نصرٌ من الله وفتحٌ قريب"
15
ليس حزيران سوى يومٍ من الزمان
وأجمل الورود ما ينبت في حديقة الأحزان..
16
للحزن أولادٌ سيكبرون..
للوجع الطويل أولادٌ سيكبرون
للأرض، للحارات، للأبواب، أولادٌ سيكبرون
وهؤلاء كلهم..
تجمعوا منذ ثلاثين سنه
في غرف التحقيق، في مراكز البوليس، في السجون
تجمعوا كالدمع في العيون
وهؤلاء كلهم..
في أي.. أي لحظةٍ
من كل أبواب فلسطين سيدخلون..
17
..وجاء في كتابه تعالى:
بأنكم من مصر تخرجونْ
وأنكم في تيهها، سوف تجوعون، وتعطشون
وأنكم ستعبدون العجل دون ربكم
وأنكم بنعمة الله عليكم سوف تكفرون
وفي المناشير التي يحملها رجالنا
زدنا على ما قاله تعالى:
سطرين آخرين:
ومن ذرى الجولان تخرجون
وضفة الأردن تخرجون
بقوة السلاح تخرجون..
18
سوف يموت الأعور الدجالْ
سوف يموت الأعور الدجال
ونحن باقون هنا، حدائقاً، وعطر برتقال
باقون فيما رسم الله على دفاتر الجبال
باقون في معاصر الزيت.. وفي الأنوالْ
في المدّ.. في الجزر.. وفي الشروق والزوال
باقون في مراكب الصيد، وفي الأصداف، والرمال
باقون في قصائد الحب، وفي قصائد النضال
باقون في الشعر، وفي الأزجال
باقون في عطر المناديلِ..
في (الدبكة) و (الموال)..
في القصص الشعبي، والأمثالْ
باقون في الكوفية البيضاء، والعقال
باقون في مروءة الخيل، وفي مروءة الخيال
باقون في (المهباج) والبن، وفي تحية الرجال للرجال
باقون في معاطف الجنود، في الجراح، في السعال
باقون في سنابل القمح، وفي نسائم الشمال
باقون في الصليب..
باقون في الهلال..
في ثورة الطلاب، باقون، وفي معاول العمال
باقون في خواتم الخطبة، في أسِرّةِ الأطفال
باقون في الدموع..
باقون في الآمال
19
تسعون مليوناً من الأعراب خلف الأفق غاضبون
با ويلكم من ثأرهم..
يوم من القمقم يطلعون..
20
لأن هارون الرشيد مات من زمانْ
ولم يعد في القصر غلمانٌ، ولا خصيان
لأننا من قتلناه، وأطعمناه للحيتان
لأن هارون الرشيد لم يعد إنسان
لأنه في تحته الوثير لا يعرف ما القدس.. وما بيسان
فقد قطعنا رأسه، أمس، وعلقناه في بيسان
لأن هارون الرشيد أرنبٌ جبان
فقد جعلنا قصره قيادة الأركان..
21
ظل الفلسطينيُّ أعواماً على الأبواب..
يشحذ خبز العدل من موائد الذئاب
ويشتكي عذابه للخالق التوابْ
وعندما.. أخرج من إسطبله حصاناً
وزيَّتَ البارودة الملقاة في السرداب
أصبح في مقدوره أن يبدأ الحساب..
نحن الذين نرسم الخريطه
ونرسم السفوح والهضاب..
نحن الذين نبدأ المحاكمه
ونفرض الثواب والعقاب..
23
العرب الذين كانوا عندكم مصدِّري أحلامْ
تحولوا بعد حزيران إلى حقلٍ من الألغام
وانتقلت (هانوي) من مكانها..
وانتقلت فيتنام..
24
حدائق التاريخ دوماً تزهرُ..
ففي ذرى الأوراس قد ماج الشقيق الأحمر..
وفي صحاري ليبيا.. أورق غصنٌ أخضر..
والعرب الذين قلتم عنهم: تحجَّروا
تغيّروا..
تغيّروا
25
أنا الفلسطيني بعد رحلة الضياع والسرابْ
أطلع كالعشب من الخراب
أضيء كالبرق على وجوهكم
أهطل كالسّحاب
أطلع كلَّ ليلةٍ..
من فسحة الدار، ومن مقابض الأبواب
من ورق التوت، ومن شجيرة اللبلاب
من بركة الدار، ومن ثرثرة المزراب
أطلع من صوت أبي..
من وجه أمي الطيب الجذّاب
أطلع من كل العيون السود والأهداب
ومن شبابيك الحبيبات، ومن رسائل الأحباب
أفتح باب منزلي.
أدخله. من غير أن أنتظر الجوابْ
لأنني أنا.. السؤال والجواب
26
محاصرون أنتمُ بالحقد والكراهيه
فمن هنا جيش أبي عبيدةٍ
ومن هنا معاويه
سلامكم ممزقٌ..
وبيتكم مطوقٌ
كبيت أي زانيه..
27
نأتي بكوفيّاتنا البيضاء والسوداءْ
نرسم فوق جلدكم إشارة الفداء
من رحم الأيام نأتي كانبثاق الماء
من خيمة الذل التي يعلكها الهواء
من وجع الحسين نأتي.. من أسى فاطمة الزهراء
من أُحدٍ نأتي.. ومن بدرٍ.. ومن أحزان كربلاء
نأتي لكي نصحح التاريخ والأشياء
ونطمس الحروف..
في الشوارع العبرية الأسماء..





دكتوراة شرف في كيمياء الحجر


يرمي حجراً..
أو حجرين.
يقطع أفعى إسرائيل إلى نصفينْ
يمضغ لحم الدباباتِ،
ويأتينا.. من غير يدين..
في لحظاتٍ..
تظهر أرضٌ فوق الغيم،
ويولد وطنٌ في العينيْن
في لحظاتٍ..
تظهر حيفا.
تظهر يافا.

تأتي غزة في أمواج البحر
تضيء القدس،
كمئذنةٍ بين الشفتين..
يرسم فرساً..
من ياقوت الفجر..
ويدخل..
كالإسكندر ذي القرنين.
يخلع أبواب التاريخ،
وينهي عصر الحشاشين،
ويقفل سوق القوادين،
ويقطع أيدي المرتزقين،
ويلقي تركة أهل الكهف،
عن الكتفين..
في لحظاتٍ..
تحبل أشجار الزيتون،
يدر حليبٌ في الثديين..
يرسم أرضاً في طبريا
يزرع فيها سنبلتين
يرسم بيتاً فوق الكرمل،
يرسم أماً.. تطحن بنّاً عند الباب،
وفنجانين..
وفي لحظاتٍ.. تهجم رائحة الليمون،
ويولد وطنٌ في العينين
يرمي قمراً من عينيه السوداوين،
وقد يرمي قمرينْ..
يرمي قلماً.
يرمي كتباً.
يرمي حبراً.
يرمي صمغاً.
يرمي كراسات الرسم
وفرشاة الألوان
تصرخ مريم: "يا ولداه.."
وتأخذه بين الأحضان.
يسقط ولدٌ
في لحظاتٍ..
يولد آلاف الصبيان
يكسف قمرٌ غزاويٌ
في لحظاتٍ...
يطلع قمرٌ من بيسانْ
يدخل وطنٌ للزنزانة،
يولد وطنٌ في العينين..
ينفض عن نعليه الرمل..
ويدخل في مملكة الماء.
يفتح نفقاً آخر.
يبدع زمناً آخر.
يكتب نصاً آخر.
يكسر ذاكرة الصحراءْ.
يقتل لغةً مستهلكةً
منذ الهمزة.. حتى الياء..
يفتح ثقباً في القاموس،
ويعلن موت النحو.. وموت الصرفِ..
وموت قصائدنا العصماءْ..
يرمي حجراً.
يبدأ وجه فلسطينٍ
يتشكل مثل قصيدة شعر..
يرمي الحجر الثاني
تطفو عكا فوق الماء قصيدة شعر
يرمي الحجر الثالث
تطلع رام الله بنفسجةً من ليل القهر
يرمي الحجر العاشر
حتى يظهر وجه الله..
ويظهر نور الفجر..
يرمي حجر الثورة
حتى يسقط آخر فاشستي
من فاشست العصر
يرمي..
يرمي..
يرمي..
حتى يقلع نجمة داوودٍ
بيديه،
ويرميها في البحر..
تسأل عنه الصحف الكبرى:
أيُّ نبيٍ هذا القادم من كنعان؟
أيّ صبيٍ؟
هذا الخارج من رحم الأحزان؟
أي نباتٍ أسطوريٍ
هذا الطالع من بين الجدران؟
أي نهورٍ من ياقوتٍ
فاضت من ورق القرآن؟
يسأل عنه العرافون.
ويسأل عنه الصوفيون.
ويسأل عنه البوذيون.
ويسأل عنه ملوك الأنس،
ويسأل عنه ملوك الجان.
من هو هذا الولد الطالع
مثل الخوخ الأحمر..
من شجر النسيانْ؟
من هو هذا الولد الطافش
من صور الأجداد..
ومن كذب الأحفاد..
ومن سروال بني قحطان؟
من هو هذا الولد الباحث
عن أزهار الحب..
وعن شمس الإنسان؟
من هو هذا الولد المشتعل العينين..
كآلهة اليونان؟
يسأل عنه المضطهدون..
ويسأل عنه المقموعون.
ويسأل عنه المنفيون.
وتسأل عنه عصافيرٌ خلف القضبان.
من هو هذا الآتي..
من أوجاع الشمع..
ومن كتب الرهبان؟
من هو هذا الولد
التبدأ في عينيه..
بدايات الأكوان؟
من هو؟
هذا الولد الزارع
قمح الثورة..
في كل مكان؟
يكتب عنه القصصيون،
ويروي قصته الركبان.
من هو هذا الطفل الهارب من شلل الأطفال،
ومن سوس الكلمات؟
من هو؟
هذا الطافش من مزبلة الصبر..
ومن لغة الأموات؟
تسأل صحف العالم،
كيف صبيٌ مثل الوردة..
يمحو العالم بالممحاة؟؟
تسأل صحفٌ في أمريكا
كيف صبيٌ غزاويٌ،
حيفاويٌ،
عكاويٌ،
نابلسيٌ،
يقلب شاحنة التاريخ،
ويكسر بللور التوراة؟؟؟






هوامش على دفتر النكسة



أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمه
والكتبَ القديمه
أنعي لكم..
كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمه..
ومفرداتِ العهر، والهجاء، والشتيمه
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهايةَ الفكر الذي قاد إلى الهزيمه
2
مالحةٌ في فمنا القصائد
مالحةٌ ضفائر النساء
والليل، والأستار، والمقاعد
مالحةٌ أمامنا الأشياء
3
يا وطني الحزين
حولتني بلحظةٍ
من شاعرٍ يكتب الحب والحنين
لشاعرٍ يكتب بالسكينْ
4
لأن ما نحسه أكبر من أوراقنا
لا بد أن نخجل من أشعارنا
5
إذا خسرنا الحرب لا غرابه
لأننا ندخلها..
بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابه
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
لأننا ندخلها..
بمنطق الطبلة والربابه

6
السرُّ في مأساتنا
صراخُنا أضخمُ من أصواتنا
وسيفنا أطولُ من قاماتنا
7
خلاصةُ القضيه
توجَزُ في عباره
لقد لبسنا قشرةَ الحضاره
والروحُ جاهليه...
8
بالنايِّ والمزمار..
لا يحدث انتصار
9
كلَّفنا ارتجالُنا
خمسين ألف خيمةٍ جديده
10
لا تلعنوا السماء
إذا تخلت عنكم..
لا تلعنوا الظروفْ
فالله يؤتي النصر من يشاء
وليس حداداً لديكم.. يصنع السيوفْ
11
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباحْ
يوجعني.. أن أسمع النباح..
12
ما دخل اليهود من حدودنا
وإنما..
تسربوا كالنمل.. من عيوننا
13
خمسة آلاف سنه..
ونحن في السرداب
ذقوننا طويلةٌ
نقودنا مجهولةٌ
عيوننا مرافئ الذباب
يا أصدقائي:
جربوا أن تكسروا الأبواب
أن تغسلوا أفكاركم، وتغسلوا الأثوابْ
يا أصدقائي:
جربوا أن تقرؤوا كتاب..
أن تكتبوا كتاب
أن تزرعوا الحروف، والرمان، والأعناب
أن تبحروا إلى بلاد الثلج والضباب
فالناس يجهلونكم.. في خارج السرداب
الناس يحسبونكم نوعاً من الذئاب...
14
جلودنا ميتة الإحساس
أرواحنا تشكو من الإفلاس
أيامنا تدور بين الزار، والشطرنج، والنعاس
هل نحن "خير أمةٍ قد أخرجت للناس" ؟...
15
كان بوسع نفطنا الدافق بالصحاري
أن يستحيل خنجراً..
من لهبٍ ونار..
لكنه..
واخجلة الأشراف من قريشٍ
وخجلة الأحرار من أوسٍ ومن نزارِ
يُراق تحت أرجل الجواري...
16
نركض في الشوارع
نحمل تحت إبطنا الحبالا..
نمارس السحل بلا تبصرٍ
نحطّم الزجاج والأقفالا..
نمدح كالضفادع
نشتم كالضفادع
نجعل من أقزامنا أبطالا..
نجعل من أشرافنا أنذالا..
نرتجل البطولة ارتجالا..
نقعد في الجوامع..
تنابلاً.. كسالى
نشطر الأبيات، أو نؤلف الأمثالا..
ونشحذ النصر على عدونا..
من عنده تعالى...
17
لو أحدٌ يمنحني الأمان..
لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان
قلت له: يا سيدي السلطان
كلابك المفترسات مزقت ردائي
ومخبروك دائماً ورائي..
عيونهم ورائي..
أنوفهم ورائي..
أقدامهم ورائي..
كالقدر المحتوم، كالقضاء
يستجوبون زوجتي
ويكتبون عندهم..
أسماء أصدقائي..
يا حضرة السلطان
لأنني اقتربت من أسوارك الصمّاء
لأنني..
حاولت أن أكشف عن حزني.. وعن بلائي
ضُرِبت بالحذاء..
أرغمني جندك أن آكل من حذائي
يا سيدي..
يا سيدي السلطان
لقد خسرت الحرب مرتين
لأن نصف شعبنا.. ليس له لسان
ما قيمة الشعب الذي ليس له لسان؟
لأن نصف شعبنا..
محاصرٌ كالنمل والجرذان..
في داخل الجدران..
لو أحدٌ يمنحني الأمان
من عسكر السلطان..
قلت له: لقد خسرت الحرب مرتين..
لأنك انفصلت عن ق
فادي
فادي
إدارة المنتدى

عدد المساهمات : 117
نقاط : 460
السٌّمعَة : 92
تاريخ التسجيل : 06/12/2009
العمر : 31

http://klitaltarbe2hama.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى